خلق الله من كل شيء زوجين؛ فخلق الموت والحياة، والليل والنهار، وكأن سمة كل شيء هي التغير، كذلك فترات العمر تتغير بين الطفولة والمراهقة والشباب والرشد، ولعل أخطر تلك المراحل فترة المراهقة؛ والتي تترك أثرًا لا يمكن إزالته في حياة كل فرد؛ فكيف نتفهم تلك المرحلة فهمًا صحيحًا؟ وما أسباب اضطراب العلاقة بين الوالدين والمراهق؟ وكيف يمكن علاج تلك المشكلات وغيرها؟ وكيف ينجو من الصراعات في داخله ومع غيره في تلك المرحلة؟ وكيف نوجهه للطريق الصحيح لتنتهي تلك المرحلة بيسر وسلاسة؟
المراهقة مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، ومن شأن تلك المراحل الانتقالية: الاضطراب والغموض؛ حيث تفرز غدد الجسم هرمونات تؤثر على ردود الفعل. وفي تلك المرحلة يستمر المخ بالنمو لجزء العاطفة قبل جزء الرشد؛ مما يجعل المراهق يميل إلى المجازفة والمخاطرة. كما تختلف الفروق الفردية بين المراهقين؛ فالشخص الموجود في أسرة متعلمة وتعليمه جيد؛ ستمر معه تلك الفترة بسهولة، بينما يختلف ذلك تمامًا مع الأسر المضطربة والتعليم قليل الجودة.
لارتباك المراهق وحيرته أثر كبير في تلك الفترة؛ بسبب رؤيته لنفسه كبيرًا، وفي الوقت نفسه يفعل أفعال طفولية، وكذلك ادّعائه المثالية مما سمع وعَلِم من والديه للصواب المطلق والخطأ المطلق، ولكنه لا يعرف أنه لا يراعي مرونة الحياة. ولعل تلك المثالية على الرغم من قصرها، إلا أنها تنبهنا لما نغفل عنه أحيانًا ونكرر فعله باعتيادية، وهو خطأ تناسيناه؛ كفعل بعض العادات المكروهة بينما نعلِّم المراهق خلافها وننصحه بتركها، كتدخين الوالد مثلًا. كما علينا أن نعرف أن عقلية المراهق لا تختلف عن مثله بمرور الزمن، ولو جاء مراهق مؤدب الفكر منذ مائة سنة، لكان هو نفسه مراهق اليوم مطلق التحرر. كما يرغب المراهق في بناء الاستقلالية والاعتزاز بالذات، ويرى نفسه في تلك المرحلة أنه الصواب المطلق، فالإنسان عندما يكون طفلًا يقول أنت، وعند المراهقة يقول أنا، وعند الرشد يقول نحن، ويرى أيضًا أن رأيه جدير بالاحترام والتقدير؛ فقد يدخل الغرفة ويغلق الباب على نفسه لساعات؛ ليشعر نفسه بتلك الاستقلالية، ويُكثِر من الخروج من البيت، وذلك شيء طبيعي سيتداركه في بداية شبابه.
كما يبحث عن مجموعة جديدة لينتمي لها تجعله يشعر أنه مختلف عن جيل أبويه، فيضحك بصخب في الشوارع، ويرفع من أصوات الموسيقى؛ مدعيًا التحرر من فكر جيل أبويه، وعند نصحه يتقبل النصيحة إرضاءً وليس اقتناعًا، وفي ذاته أنه لن يعمل بها. ويتميز جمهور المراهق الجديد من الأصدقاء بصفاته التي يريدها، كالراحة في الحديث معهم، والتضحية من أجلهم لينال الفخر، ومناصرة بعضهم البعض على الحق والباطل، والإعجاب المتبادَل؛ لذلك يحاولون اختلاق المناسبات لزيارة بعضهم البعض لتوطيد علاقات دائرة الصداقة، والإكثار من المكالمات عند قطع تلك الزيارات؛ ليضمن عدم خروجه من مجموعة الأصدقاء.
مرحلة المراهقة مرحلة مخاض لولادة جديدة، يكتشف الإنسان فيها قدراته وذاته وإمكاناته؛ حيث يمر فيها ببعض الصراعات الصامتة والظاهرة منها: صراع في مشاعر النقص والكمال؛ من خلال التسابق مع أبناء الجيران والأقرباء على المستوى الاجتماعي والثقافي، يتعرف خلالها على نقاط قوته وضعفه، وكيف يفتخر بوضعه، وكيف يتغاضى عن ضعفه. وصراع بين دواعي الاستقامة ودواعي الانحراف؛ فمثلًا نمو الهرمونات داخله تُسبِّب ثورة جنسية عارمة، فتردعه دواعي الاستقامة في الدين، كحرمة الزنا وعقوبته في الدنيا والاخرة، وتردعه عادات المجتمع ونظرته للزاني، ويستمر هذا الصراع الصامت لسنين، ولأصدقائه دور كبير في نجاحه أو إخفاقه في هذا الصراع.
وصراع بين التحرر والانضباط؛ فالمراهقة تعني انتقاله من الاعتماد شبه الكامل على الغير، إلى التحرر شبه التام على نفسه، ولذلك يتحرر من بعض العادات كالجلوس مع الكبار؛ لأن كلامهم لا يهمه، ولا يجد لنفسه تأثيرًا معهم، ويحتفظ ببقية العادات المجتمعية ليحصل على اتزان حياته، ولو كانت تلك العادات على غير هواه، وتظهر بعض مظاهر التحرر في قصات شعره، وملابسه، وطرق جلوسه، ومحاكاته لأصدقائه عن نجاحاته وإخفاقاته.
ولو وضع أحدنا نفسه في مكان هذا المراهق؛ سيجد من شكاويه ما يلي: يتمنى المراهق لو وضع والده نفسه مكانه وحينها سيحسن إليه، ويتمنى المراهق لو سأله والده عن اهتماماته ونشاطاته ويفتخر بما ينجزه، كما يتمنى لو يعامله أبوه بما يعامل به أولاد أصدقائه، ويتمنى لو يدرك الوالد أن ما يفعله ابنه شائع بين جميع المراهقين، كما يتمنى عدم تكرار النصائح التي ملّت منها أذناه، حتى يتم تطبيقها من الوالدين أمامه على أرض الواقع.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان